موقع المرام الثقافي elmaram.blogspot.com

موقــــــع المرام الثقــــــــــافي elmaram.blogspot.com

الأربعاء، 25 مايو 2011

قراءة في الموسم الأول لمسابقة أمير الشعراء الإماراتية* إزيد بيه ولد محمد البشير باحـث

قراءة في الموسم الأول لمسابقة أمير الشعراء الإماراتية*
إزيد بيه ولد محمد البشير
باحـث
لم يحظ جنس أدبي في الثقافة العربية بما حظي به الشعر منذ نشأته إلى يوم
الناس هذا فقد كان لكل قبيلة شعراء يدافعون عن حياضها ويذودون بالشعر عن
أمجادها ويسجلون به وقائعها وأيامها على نحو ما يقول الأعشى:
وأدفع عن أعراضهم وأعيرهم لسانا كمقراض الخفاجي ملحبا
وعلى نحو ما تم في شأن قصيدة عمر بن كلثوم التي يقول فيها أحد شعراء بكر بن وائل
ألهى بني ثعلب عن كل مكرمة قصيدة قالها عمر بن كلثوم
يروونها أبدا مذ كان أولــهم ياللرجال لشعر غير مسنوم
ومن أبين ما يدل على خطر الشعر أيضا أن الرجل من بني أنف الناقة كان إذا
قيل له ممن الرجل؟ قال من بني قريع حتى قال الحطيئة:
قوم هم الأنف والأذناب غيرهم ومن يسوي بأنف الناقة الذنبا
فصار يجيب بكل زهو وافتخار ، أنا من بني أنف الناقة.
وكما كانت القبائل حريصة على تسجيل مفاخرها في شعر شعرائها كانت كذلك
حريصة على تجنب ذم شعراء القبائل الأخرى وهجائهم خشية أن يبقى ذكر ذلك
الهجاء في الأعقاب ويتداوله الأخلاف.
ولم يكن الأفراد أيضا ببعيدين عن شأو القبائل فكانوا يهتمون بالمدح وكانت
عناية الممدوح بالشاعر تتمثل في الهبات السخية من الإبل والملابس والحلي
والقيان التي كان يهبها الممدوح للشاعر إذاعة لاسمه في العرب وإعلاء من
قدره بينها.
وجاء الإسلام ولم يحط من قيمة الشعر رغم ما بدا من توجيه الاهتمام في
البداية إلى أمور أخرى أولى من الشعر كانشغال الناس عنه في تعلم الدين
الجديد وتأسيس الدولة وتوطيد أركانها.
وهكذا ظل الشعر أهم محرك للمشاعر ومؤجج للعواطف وحافظ للمكارم والمعاني
به فسر القرآن الكريم وبأبياته استشهد على غريب قول العرب ومن ارتباطه
بالقرآن يستمد سر بقائه واستمراره.
وقد تأتت له هذه المكانة السامقة، من طبيعة الثقافة العربية الشفاهية
التي تهتم بما يحفظ وما يلقى سماعا وما يرتجل في المجالس تدليلا على
الفراهة والحذاقة والتميز أمام ناقد يخطب حكمه أو أمير يستدر عطاؤه أو
شاعر منافس يراد التفوق عليه وبزه.
وعلى مر الأيام ظل الشعر يسير سير حياة العربي يزدهر بازدهارها ويشهد
انكساراتها وتراجعاتها ويتنسم معها نسائم الحرية والانعتاق، وبكلمة واحدة
ظل يجسد كل تفاصيل حياة العربي ويداخل كل تاريخه يعلو معه ويهبط، يشهد
محافل العلية وسهرات اللهو والمرح، ومظاهر الترف والبطر ويحارب وينافح في
ميادين الوغى .
ومع الانفتاح على الغرب وانتشار فكر المثاقفة والنقل عن الآخر ظننا لفترة
أن الشعر اخلى سبيله لفنون من القول دخيلة على معارفنا مقترضة من غيرنا،
استنبتت في ثقافتنا.
واعتبرت القصة والرواية والمسرح أجناسا بديلة له وأصبحت الرواية في
اعتقاد بعض النقاد "ديوان العرب في القرن الحادي والعشرين والجنس الأقدر
على التقاط تفاصيل الحياة وتعقيداتها اليومية ومشاغلها المتعاظمة.
ولأنه لم يعد موجودا لا "سوق عكاظ" ولا مجلة "أبولو" أو "شعر" ولم تعد
موجودة لا خيمة النابغة أو مجلس نسيبة بنت الحسين بن علي كرم الله وجهه
أو مداعبات ابن أبي عتيق النقدية ولا سهرات عبد الملك بن مروان أو بلاط
سيف الدولة الحمداني ولا ليالي قرطبة تماما مثلما اختفت نقائض جرير
والفرزدق والخصومة حول الطائيين ولم يعد موجودا من يملأ الأرض ويشغل
الناس كما كان المتنبي.
فقد اختفى كل ذلك أو رقد لصالح سهرات صاخبة للغناء والرقص أو هما معا
ملأت دور العرض وشغلت الشاشات وألهت الشباب والشيوخ وظن الجميع أن الشعر
قد مات وأن دهره قد ولى، إلى أن خرج فجأة وفي غفلة من الزمن المارد من
القمقم معلنا بدء موسم الإياب مع إطلاق إمارة أبوظبي مبادرتها الرائدة
التي انطلقت في البدأ بما يشبه التفاتة ملول أو بالونة اختبار وجس،
ولكنها كلما سارت مع أيام المسابقة وجدت نفسها تغوص في الجد وتبعث
الذاكرة وتكشف لكل واحد منا أنه ما زال يحمل ضمن كوامنه شيئا يسمى الشعر،
وأن هذا الكامن وحده ما زال يهز المشاعر من المحيط إلى الخليج، وأنه وحده
يدلل على أن مشروع الأمة الواحدة ما زال قائما، وأن الشعر ما زال عنصرا
يوحد هذه الأمة ويمكن أن تتوحد حوله.
ورغم ما يمكن أن يقال عن مسابقة "أمير الشعراء" من أمور أو يثار حولها من
شكوك فإنها كانت مسابقة هامة بكل المقاييس ومبادرة يستحق القائمون عليها
التنويه والإكبار لما حشدوه لها من أسباب النجاح والتأثير التي تجلت في
المظاهر التالية:
1- أنها استفادت من إمكانيات التأثير الجمة التي يوفرها التلفزيون
بمؤثراته المرئية والمسموعة وانتشاره العابر للحدود.
2- لعب العائد المعنوي الرمزي وما يمكن أن يصاحبه من وجاهة في المحافل
وجاه في الميدان الشعري حافزا قويا للمشاركين فيها.
3- لعب المبلغ الكبير المرصود للجائزة وما سيرافقه من امتيازات دورا
مقدرا في إنجاح هذه التظاهرة.
4- كما مثل اختيار أسماء لامعة في سماء النقد الأدبي ( عبد الملك مرتاض،
وصلاح فضل) دافعا قويا للاستماتة في المسابقة واستفراغ الوسع من أجل نيل
اللقب أو قطف وردة نقدية ندية من الورود ذات الأريج الفواح التي يطلقها
هذا الناقد أو ذاك.
5- مثل استخدام لقب "أمير الشعراء" بعبقه التراثي وامتداده الرمزي عنصر
تشجيع إضافي أيضا يؤكد حقيقة أن التراث ما زال يحيا بداخل كل واحد منا
وأنه ممتد عبر الزمن لا انحسار في امتداده ولا تراجع.
6- الإيحاء بعالم كأحلام ألف ليلة وليلة من خلال التشكيل الفني لديكور
صالة العرض وما عجت به هذه الصالة من شهود على ألمعية هذا الشاعر أو ذاك
أو عدم ألمعيته أحيا البعد التراثي وأنعش الذاكرة العابرة للقرون.
7- إشباع المنازلة بعبق العصبية الإقليمية أو القطرية أذكى هذا التنافس
وجعله يشتد ويستحث كل مكامن الإبداع ومضمرات التميز ومقدرات الخلق حتى
تفصح عن نفسها لدى المتنافسين وتخرج من طور الكمون إلى العلن.
8- دللت المنافسة على أن الشعر كان منذ القدم وما زال "علم قوم لم يكن
لهم علم أصح منه" الشيء الذي عكسه بجلاء التجاوب الملموس من قبل الجماهير
العربية من المحيط إلى الخليج وكذلك دفع كل الدول العربية بمنافسين
يمثلونها في الميدان.
هذه الأمور مجتمعة جعلت الحدث غير عادي بكل المقاييس يخرج على كثير مما
أصبح مألوفا وشبه مسلم به في ثقافة زماننا الراهن، وقد زاد من خروجه على
المألوف أسلوب التعاطي النقدي مع المعروض الشعري والذي منه على سبيل
المثال أن النقاد:
1- لم يهتموا بالاستخدام الدقيق والمنهجي للمقاييس النقدية بل ظلوا في
اغلب الأحيان محكومين بانتخاب القول الجميل لا الحكم المصنف على حد عبارة
أحدهم، ومأسورين بملاءمة أذواق المتلقين وفي بعض الأحيان مشاعر الملقين،
فداعبت أحكامهم آفاق انتظار المتلقين وعبثت بالمسافات الجمالية المصونة
بالعرف النقدي.
2- دخلوا في منافسة واضحة مع الشعراء حيث كان على هؤلاء إبراز مهاراتهم
الشعرية وأهليتهم التنافسية وكان على أولئك كشف مهاراتهم في القول النثري
والفهم الشعري .
3- كثيرا ما تختل العلاقة في أحكامهم بين المقدمات التي ينطلقون منها
والنتائج التي يقررونها بحيث يغالون في مدح قصيدة وإبراز مكامن الشعرية
والتميز فيها ويجيء الترتيب مخالفا لما اعلن من أحكام.
4- اقتصروا على النقد الوصفي الانطباعي بدل الغوص إلى اللباب والحكم
العلمي الموضوعي.
5- أضافت المسابقة قاموسا ثرا ، وعبارات أصحبت متداولة، إلى القاموس
اللغوي لغير المختصين وهو ما جعل هؤلاء يحسون أهمية النقد ويتجاوبون مع
أحكامه (لا تنافس ، سأقول لك كلاما ينفعك ولا يضرك، لا فض فوك ، أشكرك
على هذا النص الجميل ، أنت تشج الشعر شجا)
6- ربما تبين من خلال المسابقة أيضا، أن في السجع التقليدي متسع للتعبير
الدقيق عن الحكم النقدي، وأن لغة هذا السجع "الموقعة " – من الإيقاع-
والمقفاة يمكن أن تصلح لغة للوصف النقدي وهو ما تفرد به الناقد الكبير
عبد الملك مرتاض بجدارة واقتدار.
7- أدخلت المسابقة من خلال التصويت عنصرا ظل إلى وقت قريب خارج أركان
العملية النقدية المعهودة، ألا وهو ركن المتلقي العادي غير المختص الذي
أصبح رأيه النقدي في مستوى آراء المختصين واحكامهم يمنح الإمارة ويمكن أن
يمنعها تماما كما يفعل الناقد الحكم.
8- استطاعت أن تؤمن قدرا كبيرا من التصالح بين الجدية والمرح مما خفف
جهامة النقد وارتقى بإسفاف المرح.
ولأن هذه المسابقة عربية عامة مفتوحة على كل المنتجين للشعر، فلا بد أن
يكون لكل قطر خاص الدروس والعبر التي يستخلصها من هذه المنافسة.
وبالنسبة لنا نحن الموريتانيين فقد استطاعت مسابقة أمير الشعراء أن ترسخ
لدينا جملة من المعطيات وتجعلنا نقرر نتائج وخلاصات ودروسا خاصة بنا، كما
استطاعت أن تهز عددا من المسلمات الوطنية، لذلك فلا بأس هنا من ذكر بعض
هذه الخلاصات والمراجعات على النحو التالي:
1- كشفت مسابقة أمير الشعراء أن شرائح عريضة من شعبنا على مختلف
انتماءاتها ومستوياتها الثقافية مازالت تتذوق الشعر وتنفعل به إنشادا،
وتستكنه معانيه وتسترشد بمضامينه اقتضاء، وأن هذه الشرائح ما زالت قادرة
على إنزال ممارسيه في المكانة التي كانت لهم في القلوب وفي صدارة المجالس
بل وعلى كرسي الإمارة وهذا ما اعتقدنا لفترة غير يسيرة أن عهده قد ولى
وأن رياضة كرة القدم أصحبت منه أولى.
2- أن أرض المليون شاعر ليست ادعاء ولا كلمة اعتباطية لا ترافق بين دالها ومدولوها.
3- أن مشاريعنا التنموية وكنوز أرضنا وسياسات الانفتاح بلا حدود التي
انتهجتها حكوماتنا المتعاقبة عجزت كلها وعلى مر العقود عن التعريف بنا
لدى الآخر، الأمر الذي تحقق قديما بالثقافة والشعر والعلم مع رحلات
علمائنا إلى الحج شرقا أو إلى التجارة جنوبا وتم بعثه مؤخرا مع تأهل
شاعرينا المتألقين في هذه التظاهرة الرائدة.
4- كشفت هذه المسابقة أيضا أن فاعلية النقد أساسية وأنها ليست ممارسة
ناقلة بل هي ضرورية قبل قرض الشعر وأثناءه وبعده.
5- بينت أن حاجتنا إلى الشعر ما زالت قائمة وأنها ليست دون حاجتنا إلى
الخبز والماء، مما يجعل القائمين على تخطيط مشاريعنا التنموية ومستشرفي
آفاقنا المستقبلية مطالبين بالتنبه إلى أن الثقافة والشعر والأدب يستحقون
أيضا مخصصات هامة من ميزانية الأمة، لا تقل عن ما يخصص للبنية التحتية
ولا التشييدات العمرانية ولا البعثات الدبلوماسية الدائمة، أو المؤقتة.
6- حتمت علينا مراجعة مواضعة طالما روج لها بعض باحثينا في الميدان، تقوم
هذه المواضعة في أساسها، على تقسيم مناطقنا وقبائلنا إلى فقهية وشعرية
وقرآنية وغير متعلمة، فكان الفائزون منا في المسابقة من غير المناطق
المتوقعة وسواد المشاركين من غير تلك المعروفة برواج الشعر فخابت آفاق
انتظار بعضنا ودحضت مسلمات بعض نقادنا ليؤكد ذلك أن موريتانيا كل
موريتانيا هي أرض المليون شاعر لا بعضها فقط .
كل هذه الخلاصات والنتائج جلبها إلى بلادنا شباب قطعوا خطواتهم الأولى في
دهاليز مظلمة، بعيدا عن أي عون أو مؤازرة، لا نملك إلا أن ننحنى إجلالا
لمجهودهم المعظم في تأكيد ما كنا نتباهى به من قيم ومثل لولا جهودهم
المخلصة لما رأت طريقها إلى التجسيد ولظلت حبيسة أول مسرب من مسارب تلك
الدهاليز المظلمة فلهم كل الشكر على ما أنجزوا وليت مسؤوليتا أكملوا
المسير.
--------------
* قدمت هذه المداخلة ضمن أمسية نظمتها جمعية النقد الأدبي للاحتفاء بفوز
الشاعرين محمد ولد الطالب والشيخ أبو شجة في الموسم الأول لمسابقة أمير
الشعراء الإماراتية بفندق اتلانتيك عزة انواكشوط 22/09/2007
آخر تحديث: الاثنين, 23 مايو 2011 01:53