الثورات العربية وسوسيولوجيا الإنترنت
كانت الإنترنت في بداياتها عرضة للانتقاد من قبل المجتمع العربي الذي رأى فيها ثقافة دخيلة وتقنيات يحاول الغرب عبرها غزو العقل العربي وبسط نفوذه على الساحة الإعلامية والتكنولوجية وحتى الاجتماعية داخل الثقافة العربية.
وقد نالت تقنيات الإنترنت هذه حظها من تهميش الحكومات والأنظمة العربية التي لم تعرها الاهتمام الذي تستحق وتقاعست في إدراجها في البرامج التعليمية والبحوث العلمية العربية, لكن هذه الأخيرة برهنت وبنجاح عن فعاليتها في تغطية ما بات يعرف اليوم باسم "الربيع العربي" ونقل الأخبار من السرية إلى العلنية.
تنفرد الإنترنت بخاصية الازدواجية فيما يخص مصدر ومسار المعلومة, فبعد التلفاز الذي كان يضع المواطن العربي في مكان المستهلك والمتفرج البسيط. جاءت الإنترنت لتقلب موازين القوى وتفسح المجال أمام فضاءات أكثر فعالية وأمنا للتعبير عن الرأي, وتجلى هذا في الحراك الشعبي والسياسي الذي عم بلاد العرب حيث كان المواطن العربي في قلب الحدث واستطاع نقل معاناته وحيثيات الثورة عبر معلومة عادل وزنها أحيانا من حيث التأثير, وزن المادة الإعلامية العالية المستوى.
في وقت يقر فيه غالبية الباحثين أن الإنترنت لعبت دورا بارزا في تحرير الشعوب وتمكينها من تحدي الأنظمة الديكتاتورية يرفض الباحث الأمريكي افجني مورزوف هذه النظرية في كتابه تحت عنوان
The Net Delusion
يقول الكاتب أن التكنولوجيا سلاح ذو حدين مضيفا أن الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي مكنت الأنظمة القمعية من تتبع نشاطات المعارضة ورصد حركاتها مستدلا بذالك على القمع التي تعرضت إليه المعارضة
الإيرانية على خلفية احتجاجات الانتخابات الرئاسية الإيرانية المتنازع على نتائجها في 2009
تتضارب الآراء حول ما كانت لتؤول إليه الثورات العربية بدون الإنترنت. لكن وبعد أن كان التاريخ شاهدا على عجز الحركات الماركسية والشيوعية وحركات الإخوان المسلمين في إجبار الأنظمة العربية على أخد مبادرة الإصلاح والتغيير, يشهد العالم العربي اليوم ولادة جيل جديد يؤمن بثورة التكنولوجيا وتكنولوجيا حكمت الثورة, جيل استطاع أن يتكيف مع الدينامية والتفاعلية اللذين تتمتع بهما الإنترنت ليزعزع بذلك كيان أنظمة ويسقط هياكل أخرى حكمت بلدانها وشعوبها طوال سنين, بقبضة من حديد.
{نقلا عن فرانس 24}