عرفت على الأخت العزيزة، والصديقة الوفية المرحومة ديمي منت آب أواسط الثمانينات، وقد عرفت فيها أكثر من إنسان بأبعاد هذه الكلمة ومعانيها السامية.(1)
من تواضع وحسن خلق، ونبل وأريحية، وبشاشة توزعها على الناس من معين لا ينضب، في مرح وإنسانية راقيين..
هكذا عرفتها في الشدة والرخاء، حتى آخر عهد بيننا...كانت ديمي رحمها الله تتحلى بمكارم أخلاق لا يضاهيها إلا حسن صوتها وإنسانيتها، فقد ملآ الدنيا وشغلا الناس.
وقد تواتر عنها بر الوالدين، والإحسان إلى الضعفاء والمساكين، وذوي الحاج والملهوفين، جعل الله ذلك في ميزان حسناتها، وأسكنها فسيح جناته في النعيم المقيم، وألهم ذويها الصبر والسلوان وأجارهم في هذه المصيبة العظيمة!!
حرصت على الاطلاع على حالتها الصحية في المغرب عن طريق الهاتف خلال الأسبوع الأول، لكنني قطعت عنهم الاتصال مخافة أن أتلقى عنها خبرا يقلقني أو يزعجنى، وهو ما لم يكن منه بد، عندما تلقيت ذلك النبأ الذي عم به الحزن والأسى أرجاء الدنيا ...
ويحكم أيها الناعون! أتدرون من تنعون؟
تقولون ديمي توفيت.. هكذا .. وتسكتون؟ كأن شيئا لم يكن !!
ألم تهو الجبال وتنهد؟ أما زلزلت الأرض زلزالها؟ ألم تسقط السماء على الأرض؟ ألم تخرج القلوب من الحناجر؟ ألم يغرق الناس في الدموع؟
ويحكم أيها الناعون! فالأمر عظيم! والخطب جلل!!
إنها ديمي تفارقنا فراقا لا يطاق، تاركة فينا فراغا كبيرا، فراغا لا يسد، فقد أحببناها جميعا، وسكنت قلوبنا وسحرت ألبابنا وملكت نفوسنا، إنها ديمي كامله تودعنا الوداع الأخير !!
أي خسارة هذه، وأي رزية عمت بلواها المعاني الإنسانية السامية في أبعادها الفنية والتراثية ؟
فمن بعدها يشمل الناس بخلق ونبل عظيمين ؟
فمن بعد ديمي يهذب النفوس ويدخل إلى القلوب بدون جواز سفر؟
من بعدها يضطلع برسالة الفن المقدسة، في أزهى ألوانها وأبهى صورها ؟
من بعدها يبارك لموريتانيا استقلالها ؟
من يخاطب وجدانها، ويثير أحاسيسها ومشاعرها؟
من يلهم شعراءها وأدباءها ويخصب أخيلتهم ؟
أي خسارة هذه تموت حروفها حين تقال؟
لكن ذكر ديمي يبقى خالدا، محفورا في الذاكرة فكيف ننساها؟
من لنا بحنجرة مثل حنجرتها كفاءة وتحكما، وتنوعا وانسيابا وحلاوة أذهلت العقول؟
فمما لا مراء فيه أن ديمي وهبها الله صوتا غاية في الحسن والجمال، فكانت معجزة العصر وتحفة الأجيال..
أخذت بناصية الفن غناء وعزفا، وضبطا للإيقاع، في ثلاثية قل من يجمع بينها من جيلها والأجيال التي تلته.
وكان لها أسلوبها الخاص، وطابعها المتميز في ابتكار ألوان الغناء والأداء بتقنية ومهارة نادرتين.
وكان الفن ينقاد لها انقيادا، وتتأتى لها "الرَّدَّاتْ" طوعا لا تكلفها شيئا، ولم يكن يعجزها أي "آمْنِكْرِ" مهما بلغ من الطلوع بل كانت تتحكم فيه طلوعا ونزولا وفي كل اتجاه.
شكلت ديمي ثنائية متميزة مع الفنان سدوم ولد أيده أطال الله عمره، وثلاثية كذلك معه ومع أخيها سدوم ولد سداتي أمدّ الله في عمره.
وفي تينك الثنائيتين، وفي تلك الثلاثية، إبداع وابتكار ل"الردات" وأساليب الغناء تكامل فيه الصوت والإيقاع مع المحافظة على طابع مدرسة تكانت الرائدة.
أحمدو ولد أبن