تعليم الابداع وتطوير التعليم
بسم الله الرحمن الرحيم
تحمل كلمة الإبداع من المعاني والأفكار الجميلة والصور الخيالية بما لا حصر لها ،ولو حاولت إطلاق العنان لخيالك في مدلولات وإيحاءات كلمة الإبداع قد توصلك إلى عالم متناهي خيالي، وقد يعيدك إلى واقعك بحسب علاقتك وحالة الإبداع وتجاربك وممارساتك الإبداعية والتي لا شك تنمو وتتطور بالمران والتدريب.
أصبح الإبداع علم هذا العصر ومفتاح التعامل للألفية الثالثة ، لقد سبقنا الغرب بمسافات مفتوحة شاسعة نحو الإبداع في ميادين شتى في التعليم والتكنولوجيا والصناعة والاقتصاد وغيرها الكثير،والمتتبع للاتجاهات التربوية والتعليمية في بلاد الغرب أو حتى الشرق الأقصى يرى التركيز والاهتمام الرسمي والأهلي والشخصي لبناء الإنسان المبدع صاحب الفكر الخلاق ، حيث الاهتمام يبدأ من سنيّ عمر الطفل الأولى والاهتمام بمرحلة ما قبل المدرسة لإطلاق الحالات والانفعالات الإبداعية للأطفال ،ومن ثم يأتي دور المدارس في تعميق مفاهيم الإبداع لدى الطلاب وتعليمهم وتدريبهم لتنمية مهارات الإبداع والتفكير الإبداعي متزامنا مع المناهج الدراسية التي أخرجت من قوالبها الجامدة النمطية .
ويبدو أن حالنا في هذا الوطن الكبير ما زال يغط في سباته ويعضّ على نمطية التعليم والانغلاق داخل جدران الصف الصماء ،بل إننا نتباهى في كم المعلومات وعدد ووزن الكتب التي يحملها الطالب إلى مدرسته ، فهمنا ومقياس نجاح أبنائنا في كمّ المعلومات المحفوظة وعلامة الامتحان المحظوظة،وعندما نقارن ونتمعن في أسلوب مدارسنا ومناهجنا التعليمية نراها تصّر بشكل غريب على أدنى مهارات التفكير حسب (هرم بلوم لمستويات التفكير ) وهي الحفظ والاستذكار ، ونراها بعيدة كل البعد عن مهارات التفكير العليا من التحليل والنقد والتركيب وأعلاها الإبداع ،وحيث مهارات التفكير العليا هذه وأعلاها التفكير الإبداعي هي مهارات الشخصية العصرية الناجحةونظام الدولة الراقية ومفاتيح علوم المستقبل ،فسيأخذ بها ويمتهنها من رام النجاح والتفوق ومسك زمام المبادرة والريادة .
إن امة دينها الإسلام تحمل كنوزا إبداعية ومفاتيحا ودوافع لا حصر لها نحو الإبداع ،إن امة ربها البديع وكتابها قرآن يتلى ليل نهار بآيات الكون ودعوات الفكر والتفكر والتأمل ،إن امة لغتها العربية لغة حاضنة الإبداع ونبعه الصافي الذي لا ينضب .إن امة كهذه ألا تستحق أن تكون امة مبدعة وأن تلتفت لحالها وإبداعاتها وأن تستعيد ذاكرتها وتطلق خيالها وتفجر طاقاتها ومكنونات أبنائها .
إننا امة الرسالة وأهل الأمانة دعانا الله أن نسير في الأرض ونعمرها ،ونتفكر في خلقه سماءا وأرضا .هي دعوات ربانية متواصلة لإعمال العقل وإطلاق الفكر ..فبالله عليكم بأي حق حبسنا فكرنا، وبأي حق قتلنا تعليمنا وبأي حق أمتنا أجيالنا قبل أن ترشد، فغرب مستقبلنا قبل أن يشرق.
يذكر آرثر كوستا في كتابه (تنمية العقل ) في بابه السادس ـ تعليم من اجل التفكيرـ اتفاق الباحثين على أن التفكير قابل للنمو بل إن الذكاء أيضا قابل للنمو ،وان الهدف النهائي للتعليم هو تنمية التفكير بما يتيح للمتعلم التمكن من المتطلبات المعرفية والوجدانية لمواجهة تحديات العصر المتنامية ،حيث لم يعد هذا الهدف محل خلاف ،وإنما الخلاف وكل الخلاف حول كيفية تحقيقه،وهو خلاف حول إجابة التساؤلات التالية :
كيف يصبح التعليم من اجل تنمية التفكير هدفا معلنا مشتركا بين كل الاطراف المعنية بالتعلم والتعليم .
كيف يوجه هذا الهدف الممارسات اليومية في البيئة التعليمية داخل الفصل وخارجه حتى تختفي الفجوة بين ما نقوله وما نفعله بشأن التعليم والتعلم .
كيف نخلق البيئة التعليمية التي تمكّن المعلّم والمتعلّم من الّنمو الفعلي الذي يتجاوز حدود الفصل الدراسي إلى الحياة بكل ثرائها.وأضف إلى ذلك أسئلة عديدة في هذا الاتجاه .
إن بوصلة الاتجاهات التربوية الحديثة تشير إلى أن المعلم هو العنصر الأساسي في العملية التربوية داخل الصف ،وان العملية التربوية أهم من المحتوى التربوي .
إن تدريس التفكير يبدو غريبا بالنسبة لبعض المعلمين وبعض التلاميذ ناهيك عن بعض المسئولين أيضا، إذ أن النظام السائد هو قولبة التلاميذ في نظام واحد ،وهذا يتناقض مع تعليم التفكير الذي يدعو إلى التنوع والتعدد والتفرد ،إن تعليم التفكير لطلابنا قد يكون الطريق الصحيح نحو التطوير الحقيقي للتعليم ومتفوقا على التركيز على تطوير المناهج وتحديثها .
هي أسئلة نضعها أمام المسئولين عن التعليم مع التأكيد أن مسئولية التعليم لأبنائنا لا يقتصر على الجهات الحكومية الرسمية وان كان حظها القسط الأكبر من المسؤولية.
بقلم طارق عبد الفتاح الجعبري – الخليل
21/2/2010