موقع المرام الثقافي elmaram.blogspot.com

موقــــــع المرام الثقــــــــــافي elmaram.blogspot.com

الأحد، 22 مايو 2011

جمال ولد الحسن: إن أتممت عشرا.. فالجرح ما زال نازفا نقلا عن موقع "الجديد الإخباري" وبدون تصرف

جمال ولد الحسن: إن أتممت عشرا.. فالجرح ما زال نازفا

تقديم: محمد محمود أبو المعالي
تحل اليوم الذكرى العاشرة لرحيل الباحث والأديب والمؤرخ الكبير جمال ولد
الحسن، الذي توفي في حادث سير مؤلم في دولة الإمارات العربية المتحدة.
فقد كان رحيله فاجعة كبيرة، سالت لهولها أقلام، وانسابت قرائح، ترثي
وتؤبن، لكن الجميع كانوا مدركين حق اليقين، أنهم لن يوفوا الرجل حقه ولو
أبلوا كل أقلام الدنيا وأفنوا مدادها في ذكر مناقبه وعد خصاله، فقد كان
فتى بكل ما تحمله الكلمة من معنى ومدلول، وشيخا شابا اختزل أعمار كل أهل
الأرض في عقود خمس كانت بأعمار الآخرين قرونا وأمما، به من الشيوخ وقار
وعلم وحلم ودماثة خلق، وبه من الشباب فتوة ونضارة، وعمر قصير بعدد السنين
والحساب، طويل بمقاييس النجع والموروث.
أضاعه بلده "وأي فتى أضاعوا"، وتركوه نهب الغربة تتياسره مظان العلم
ومواطن البحث، أما هو فما ضيع وما فرط وما بدل تبديلا.
كان حين يطل في محافل الثقافة بطلعته البهية، وجسمه النحيف، تشرئب أعناق
وتشخص أبصار، وتتواضع هامات سامقة، وهبه الله رجاحة عقل وحدة ذكاء، وآتاه
الحكمة، ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا.
كان دائما في تلك المحافل أصغر القوم سنا وأكبرهم عمرا، كانت تواريخ
ميلادهم في الغالب الأعم قبل يوم مولده، لكن أعمارهم المعرفية والقيمية
كانت تقصر دون شسع نعله، غير أنه زين كل ذلك بالتواضع وحميد السجايا.
في هذا العرض، نتعرف على سيرة الراحل عنا الخالد بيننا أبدا، جمال ولد
الحسن، وعلى غيض من فيض ما قاله أترابه من شيوخ وأعلام وأفذاذ تفطرت
أكبادهم وخوت أفئدتهم، ساعة نعى الناعي جمالا.
ترجمة المرحوم جمال ولد الحسن
ولد المرحوم أحمدُ "جمال" ولد الحسن ، 27 يناير 1959 في اتَّاكِلالَتْ ،
على بعد 20 كم من المذرذرة ، وكان والده محمد عبد الله يريد أن يسميه
جمالا فاعترض حاكم (المذرذره) الفرنسي ، لأن جمال اسم الرئيس المصري
المعادي يومئذ للإنمبريالية الفرنسية ، فسجل الأب اسمه باسم أحمدُ (بضم
الدال ) فأصبح الإسم الرسمي أحمدُ ولد الحسن، واسم الشهرة "جمال " ولد
الحسن ، انتدب الوالد سفيرا لموريتانيا لدي الجمهورية التونسية بعد
الاستقلال ، وذلك في ما بين 64-66، وهناك ابتدأ الطفل "جمال" تعلمه
النظامي ، مع بدء السنة الدراسية 64-65 ، بالمدرسة الإبتدائية بحي (نوتر
دام) ، في تونس العاصمة ولم يستمر هناك أكثر من سنة واحدة ، فأكمل تعليمه
الإبتدائي بمسقط رأسه ، وهناك تعلم القرآن وحفظه كاملا ، وتعلم مبادئ
اللغة العربية والدينية ، والتحق في بدء السنة الدراسية 1969-1970م
بالسنة الأولى الإعدادية ( كبلانى) ب ( روصو) ، ولم يُمض بها غير ثلاثة
شهور ، أصيب على أثرها بحمى ملاريا أقعدته عن الدراسة ثلاث سنوات وكادت
أن تعصف بمسيرته المعرفية المظفرة ، لولا أنه تدارك الوقت الضائع ، فنجح
في امتحان الاعدادية سنة 1973م ، والتحق بشعبة الآداب العصرية العربية مع
بدإ السنة الدراسية 1973-1974 ب " الثانوية الوطنية" ، الواقعة قرب مبنى
الإذاعة الوطنية ، وفيها حصل على الثانوية العامة 1976م .
التحق مع بداية سنة 1976م -1977م بالمدرسة العليا لتكوين أساتذة التعليم
الثانوي بتونس العاصمة ، وفيها تخرج سنة 1980م بشهادة الأستاذية ، وحصل
في السنة ذاتها في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بتونس على شهادة
الكفاءة في البحث عن أول بحث أنجزه ، وهو عن " أسلوب محمد بن الطلبة" ،
وهو ما خوله حق الإلتحاق بشعبة الدراسات العليا في الكلية ذاتها ( شعبة
مناظرة التبريز في اللغة والأدب) التى تجريها الكلية في شهر مايو من كل
سنة ، فكان أول الخمسة الفائزين فيها في يونيو 1981 م ، فنال بذلك جائزة
الرئيس بورقيبة التى ينالها الفائزون الأوائل في شعبهم، واستلمها من يد
الرئيس .
وسجل بحثه لنيل دكتوراه الدولة بالكلية ذاتها ، ومع الأستاذ نفسه الذي
كان قد سجل معه بحثه للكفاءة ، والتحق في شهر اكتوبر 1981م بالمدرسة
العليا لتكوين أساتذة التعليم الثانوي بانواكشوط ليبدأ رحلته المهنية
مدرسا بها ، وقد وجه جهوده بها لدفع الطلبة إلى اختيار موضوعات لمذكرات
تخرجهم ، تتعلق بالأدب الموريتاني ، وخاصة منه شعر شعراء القرن الثالث
عشر الهجري ، المرتبط بموضوع الأطروحة الى يُعد ، فجمع العديد من هؤلاء
الطلبة تحت إشرافه عشرات الدواوين الشعرية الموريتانية وحققوها وأخرجوها
من المجاميع الأهلية و( الكنانيش) المحظرية ، إلى مكتبة المدرسة العليا ،
وإلى متناول أيدي العديد من القراء ، ما كان لها أن تصل إليهم لولا هذه
العناية وكان له حضور متميز في الساحة الثفافيةوالاعلامية بالعاصمة،
أعطاه صيتا واسعا يومها في البلد ، كما كان له حضور في العديد من
الملتقيات العربية .
عاد جمال إلى تونس سنة 1984م في وضعية متدرب منتدب لإكمال أطروحته
المذكورة : الشعر الشنقيطي في القرن 13هـ وأكمل إعدادها وسلمها إلى
الكلية في بداية صيف 1986م ، وأتم معها أول عمل تحقيق أنجزه وهو تحقيقه
لكتاب التكملة في تاريخ إمارتي ( الترارزة ) و ( البراكنة) لمؤلفه الشيخ
محمد فال بن باب ت ( 1349هـ-1930م) ، ونشره في السنة ذاتها لدى بيت
الحكمة بتونس ، وانتخب في السنة ذاتها أمينا عاما لرابطة الأدباء
الموريتانيين ، وحصل بالأطروحة المذكورة في ربيع 1987م على درجة دكتوراه
الدولة برتبة الشرف الأولى ، وفي آخر السنة ذاتها انتقل من المدرسة
العليا عند انضمامها إلى معهد الأساتذة المساعدين وانتقالها من مقرها
القديم ، إلى كلية الآداب وفي بداية السنة التالية 1988م -1989 أنشئت
شعبة للترجمة واللغات الأجنبية بالكلية ، فأسندت إليه رئاسة قسم يشرف على
هذه الشعبة ، وفي السنة ذاتها أنشئت دورية ( حوليات كلية الآداب) فكان
أول رئيس تحرير لها، وأنشئت لجنة التعليم العالى هيئة علمية وحيدة ، كانت
تشرف أكاديميا على اساتذة التعليم العالي ، فكان عضوا فيها ، كما عين
عضوا في اتحاد المؤرخين العرب ، وظل في هذه الوظائف حتى هاجر من البلد
1990م .
وفي سنة 1990-1993 اختصاصي برامج بإدارة التربية بالمنظمة الإسلامية
للتربية والعلوم والثقافة – اللإيسيسكو – الرباط –المغرب
1997 – يونيو 1999 مندوب منظمة اللإيسيسكو في جزر القمر وفي سنة
1999-2000 التحق مدرسا طبقا لتعاقد شخصي بمعهد الهجرة التابع للمنظمة
بتمبكو بمالي وهو معهد مكلف بتدريس اللغة العربية لغير الناطقين بها .
وفي سبتمبر 2000التحق ب (شبكة جامعة عجمان للعلوم والتكنلوجيا – مقر
العين ) ، على أساس تعاقد شخصي ، ووافاه الأجل ليلة الجمعة مساء الخميس
17/5/2001 .في حادث سير مؤسف بمدخل مدينة (أبو ظبي ) ، وهو يمارس عمله
العلمي هناك ، فنقل جثمانه إلى مسقط رأسه حيث ووري الثرى به صبيحة
الثلاثاء من الشهر نفسه .
شهادات شعرية :
قد لا يكون من المبالغة أن نقول إن من أهم الأوسمة والنياشين التى علقها
المرحوم على صدره ، هذه الأوصاف التى شهد له بها شيخنا العلامة : لمرابط
محمد سالم ولد عدود الذي وصفه بالحافظ الآثر …الخ
وهذه وحدها مفخرة للمرحوم فشهادة بهذا الحجم من أحد أعلام الأمة لها
دلالاتها ومصداقيتها ، وابن عدود الذي تعرف على المرحوم جمال عن قرب أدرك
تمام الإدراك أن هذا الفتى الحاد الذكاء الخرافي الحافظة سيكون له شأن
عظيم ، فأحبه واعتنى به ،وأعجب به ، وكم كان حب الشيخ والإعجاب به عظيما
في نفس المرحوم جمال ولا أدل على ذلك من تصريحه في آخر مقابلة أدلى بها
لصحيفة الراية قبل وفاته بفترة قصيرة، حيث ذكر أن الشخصية الوحيدة التي
تأثر بها ، كانت شخصية ابن عدود
والأبيات هي :
ألا لَعَا للْحافظِ الآثرِ والْكاتبِ الناظمِ والناثرِ
النَّافرِ النافِرِ في قومه إذَا انتَدوْا والكاثرِ الكاثِرِِ
ربِّ أقِلْ واجْبُرْ وثبتْ ولا تُشمتْ بمُحيي مجْدنا الداثرِ
ومرة كان الشيخ في رحلة ومعه المرحوم جمال فكتب الشيخ على جريدة بيتين هما
ما في وقوفكَ إذْ تراءتْ تونِسُ برُبوعهَا والتِّينِ والزيتونِ سُو
ما تونُسُ الْخضْراءُ إلا غادةٌ عذْراءُ توحِشُ بالدلالِ وتونِسُ
وقد كتب المرحوم جمال بيتين على البديهة ولكن الشيخ قال إنه لا يحفظهما .
ومرة يقول الشيخ بيتين بعد أن انتقل المرحوم جمال إلى جزر القمر للعمل
فيها بعد أن كان عمله بالمغرب ، فقال الشيخ في ذلك :
صيَّر المألفَ وحشًا إن أزرْ أوْ أُلمَّ النقلُ بعْدي للْجزرْ
كيْف أرضَى أفُقا غادره قَمَرٌ غيَّر مِن شكْل القُمُرْ
ومرة سمع الشيخ أن المرحوم أحمد جمال سيذهب إلى (جمهورية الغابون) في
مهمة ، أو سيعمل فيها بصفة رسمية ، فقال الشيخ في ذلك بيتين ا
لوْ كان فاعولُ مِن المطردْ مِن ذي اشْتقاق قلتُ حينَ اعتُمد
أحمدُ في الغابُون إنَّ اسْمَهُ مِن غبْنه ما كان فيه استُمدّْ
ويقول في بني ديمان :
ما إنْ رأينا معشرًا أظرفَا مِن آل ديمانَ ولا ألطَفَا
إن أنصفَتْ أيامُهمْ أوصفتْ لم يذْكروا وقتَ الصفاءِ الجفَا
وإن هفتْ أو أرجفتْ أو جفَتْ لم يُنسهمْ ذلكَ عهدَ الصفَا
شهادةٌ ليسَ لها موجِب في وقتنا الرَّاهنِ إلا الوفَا
ويقول العلامة المختار بن حامدن مخاطبا المرحوم جمال ولد الحسن
تسائلني فلانةُ ماالْجمالُ فقلتُ العلمُ والعملُ الحلال
فقالت هل على ذا الشرط فيكم رجال في الجمال لهم مجال
فقلت لها نعم فينا رجال جمالهم أقر به الرجال
فقالتْ لي وهل فيهمْ جمالٌ فقلتُ لها جمالُ لنا جمالُ
جمالُ لنا جنوبٌ أو يمينٌ ونحنُ له شَمال أو شِمال
ويقول العلامة امحمد بن محمد باب بن محمد بن أحمد يورة الملقب (كراي ) رحمه الله:
أوصي الشبابَ العادمينَ مثالا أنْ يتقوا ليُحققوا الآمالاَ
ويروْا حمايةَ دينِنا فرضا كما يَحمي الهزبرُ بغابهِ أشْبالا
فيُباشرون بعفةٍ ونزاهةٍ أعمالَهمْ ، إنْ يصبحوا عمَّالا
إني أقولُ وفي المقالة صادقٌ وأنا مِن القالينَ قيلَ وقالا
ما زلتُ أبحثُ عن جمالٍ للشبا بِ فعزَّني ، حتى لقيتُ "جمالا"
ويقول العلامة / عبد الله بن امين معلقا على مقال حركة الإمام ناصر الدين
، الذي كتبه المرحوم جمال :
بزيدٍ قد أنِسنا يوم قالاَ هنا معَنا وأسمَعنا مقَالا
به ذاك المقيلُ صفا لمَن في مقيلِ القوْم ذاك اليومَ قالاَ
تأنق في صياغتِه جمال ولم يُسبق إلى ما فيهِ قالا
فذبَّ به ودافعَ عن إمام لأهْل الدينِ لم يبرحْ ثمالاَ
يجودُ بنفسه في نصْر قَـ ـا فِي سبيلِهم ويبذلُ فيه مالاَ
تفانواْ في محبَّته فأمضواْ قلائصَهم إليهِ والجِمالا
شفا الداءَ المقالُ بما حواهُ وداوَى الجُرحَ فانْدملَ اندِمالاَ
يَميلُ القوم إذْ يُُقرَا عليْهمْ لجوْدته يمينًا أو شِمالا

وأعْجِب بالمقال القومُ شكلا ومضموناً وراقَهمُ جَمَالاَ
فلا ابْنَ جلاَ التُّراثِ البرَّ يوما فقدناهُ ، ولا ابنَ
بَجْدتهِ جمَالا
فمِن أسْلافهِ بدَلاً نراهُ مُطابِقا أو بيانًا أوِ اشْتمالاَ
إلى مجد تليد ضم مجدا طريفا فيه يعتمل اعتمالا
إذا ما كان في الموضوع نقص فحققَ ، نصه اكتمل اكتمالا
الشهادات النثرية :
1- العلامة الشيخ "لمرابط" محمد سالم ولد عدود
كتب عن المرحوم جمال:" أبعدُ ما كان مني أحمدُ جمال بنُ محمد عبد الله
بنِ الحسنِ بنِ سيدي بنِ محمد رحمهم الله تعالى أن يكون ابنَ عمي وخالتي،
بل أخي لأبي وأمي.
عرفت الذكاء المُفْرِط والنُّبْل في حماليق عينيه وهو كما وصف نفسه، (على
كَتِف الزمانِ غُلام).
أخْوَفُ ما كنت أخاف عليه ما حصل، أن يغتاله سهمُ العين، فكنت أعيذه
بالواحد من شر كل حاسد
كنت إذا طاب سَمَري معه على أَحَرَّ من الجمْرِ أن يكون ما كان
أَشَدُّ الغمِّ عندي في سرور تيقَّن عنه صاحبُه انتقالا
ذهب طولُ عمره في عَرضه، فنقول: لا اعتراضا على القضاء، ولا إرضاء للأعداء
فلو كان شيخا قد لبِسنا شبابَه ولكنه لم يَعْدُ أن طَرَّ شاربُه
أشقُّ ما يشق عليَّ أن أُسأل عن شيء من شأنه
أمَا يسْتفيقُ القلبُ إلا انبرى لهُ توهمُ صَيْفٍ من سُعاد ومَرْبَعِ
أخادعُ عنْ أطلالهَا العينَ إنهُ متَى تَعرف الأطلالَ عينُك تدمعِ
عَهدت بهَا وحْشا عليهَا براقعٌ وهذِي وحوش أصْبحتْ لم تَبرقعِ
إنا لله وإنا إليه راجعون. محمد سالم بن محمد علي بن عبد الودود
أم القرى بتاريخ: 30/04/2008
- العلامة الشيخ: محمد فال بن عبد الله ( ابَّاهْ)
الحمد لله ، رحم الله أخي وحبيبي ، الأستاذ الدكتور أحمدُ (جمال) ابن
الحسن ، فقد عرفته صغيرا ، فرأيت منه أيام الطلب ، ذكاء خارقا ، وتصورا
لدقائق المسائل صحيحا ، وبديهة حاضرة ، وسرعة استحضار لما سمع ، واستشفاف
لما لم يسمع ، الشيئ الذي استلفت نظر بعض الحاضرين ، في بعض مجالس الدرس
فاقترح أن يقدم على غيره من الطلبة ، إلى أشياء من هذا النمط لا يمكن
تفصيلها . وعرفته كبيرا ، فرأيت فيه علما واسعا ، وتحقيقا نادرا وتوفيقا
في البحث ، وحظا في الإكتشاف ، وقدرة على حشر المعلومات على صعيد واحد ،
وربط بعضها ببعض كالحلقة المفرغة ، فيتولد منها علم كثير ، محقق مفرغ في
قالب أدبي جذاب ، ولغة جزلة ناصعة، تصوغه القريحة الصقيلة وتحيطه قواعد
المعلومات الواسعة .
فحبذا لو جمعت تلك البحوث والآثار – علميها وأدبيها- وأعطيت ما تستحق من
الدرس والنشر، برا بمؤلفها الذي له اليد البيضاء علىكافة الأدباء
والباحثين في هذا البلد وغيره.
إن ءاثارنا تدل علينا فانظروا بعدنا إلى الآثار
وتقديرا لما لهذه الآثار من قيمة علمية،وأدبية، يحتاج لها الباحثون والدارسون
وحبذا لو جمع ما لصاحبها من شعر بديع، فليس شعره دون نثره، فهما فرسا
رهان في ميدان الأدب. ولقد كان الفقيد -فيما أرى- مؤمنا صادق الإيمان ،
يتقي الله تعالى ويخشاه ويعمل صالحا ، يذكر الموت ويستعد للقاء الله
تعالى غير معجب بنفسه ، في تواضع من غير ضعة ، حسن الأخلاق ، متحببا إلى
إخوانه في سماحة وإيثار. فالله يرحمه ويرحم رفيقه المعروف بالسيادة
والشهامة "محمد بن محم" ويكرم مثواهما ويجعلهما في الفردوس الأعلى ،
ويخلفهما في أهلهما وعيالهما ، إنه سميع مجيب .
محمد فال بن عبد الله النباغيه أغسطس07 20
– شهادة العلامة الجليل حمدا بن اتاه
الحمد لله رب العالمين:
أما بعد فقد عرفت جمال في صباه ،وطفولته ، ورجولته ، وفي عمره العريض ،
ولو لم يكن طويلا ، واكتشفت مبكرا أنه عبقري ، وقد ظهرت هذه العبقرية في
مختلف الإتجاهات ، حيث كان يعلم مالم يقرأ ، ويتحدث عما لم يدرس ، ويناقش
في كل موضوع ، ويجلس مع الأكابر ومع الأصاغر ، وقد تجلت هذه العبقرية
أيضا في تكامل شخصيته التي نضجت مبكرا ، رغم قصر الزمان ، حيث كان له في
كل مجال جولة ، جولة في الجامعة ،وجولة مع العلماء ، وجولة مع مشايخ
التصوف ، وجولة في كل شيء ، إلا في مجالات السفه ، فقد تربى رشيدا ، ذكيا
،محافظا ، مع تمسكه بروح شخصيته الإنسانية ، في أبعادها الأدبية ، فقد
كان له أدب رفيع سمعت منه الكثير من القطع ، واستمعت إليه ، حضرت معه عدة
ندوات ، ومحاضرات ومناقشات، أبدع فيها وأجاد ، ولهذا فإنني أتقدم إلى هذه
الدراسة التى تقومون بها بالتقدير والشكر ، راجيا له الرحمة والرضوان ،
وراجيا من الشباب أن يسيروا على هذا المنهج ، الذي جمع بين الأصالة
والحداثة ، في توازن متكامل ، في فترة قصيرة ، لا نشاز فيها ولا إفراط
ولا تفريط .
انواكشوط 23/4/2008.
– شهادة د. محمد المختار بن اباه
المرحوم (جمال) ولد الحسن كانت عندي به علاقات خاصة ، أسبابها كثيرة ،
هناك سبب القرابة ، واشتركنا أيضا كذلك في بعض الأعمال العلمية حينما كنت
في المدرسة العليا للأساتذة ، كنا نتعاون في بعض البحوث حول الشعر
الموريتاني " الشعر الشنقيطي"
وحينما كنت في تونس أنهيت المسودة الأولى لكتاب الشعر والشعراء ، كان هو
الذي يقرؤها، ودائما يقدم لي بعض الملاحظات ، ونحاول جميعا أن نقوم
بالتعاديل التي ينبغي أن نقوم بها في هذا الميدان ، وهو في الحقيقة الذي
أشرف على طبع هذا الكتاب وتصحيحه ، وهو عمل شاق جدا لأنه كان مسودة
لكتابتي أنا ، وكثير من أهل المطابع لا يقرؤون الخط الموريتاني ، خصوصا
إذا كان خطا غير واضح مثل ما أكتب عادة ، وتعاونا كذلك في النظم الذي
نظَمتُه حول معاني الموطأ ، وكنت دائما أمْلي عليه ، وكان عنده اختصاص
كبير فيما يخص قضية العروض ، ونذكر دائما ونتانقش في قضية الرجز هل هذا
نوع العروض الذي ينبغي أن يكون ، وأذكر أنه له في هذا النظم –طبعا نظم
طويل الفا بيت- لكنه شارك فيه هو نفسه بأبيات قليلة ، ولست أذكر في أي
موضع تلك الأبيات ، هذا التعاون الثاني .
التعاون الثالث : كان حينما كنت أعد كتاب تاريخ النحو أيضا ، من العادة
أنني حينما أكمل الفصل أو بابا من أبواب الكتاب أستشيره في كثير من
القضايا ، ويساعد أيضا كذلك في البحث عن المراجع .
أقول إنه في هذه الكتب الثلاثة " الشعر والشعراء" و" نظم معاني أحاديث
الموطأ" و " تاريخ النحو"
كانت مساعدته لي في هذه الأعمال مساعدة فنية ، مساعدة علمية ، وأيضا
أعانتني كثيرا على إنجاز هذه الكتب .
(جمال) متعدد المواهب ، عنده موهبة الإبداع الفني في الشعر وفي " لَغْنَ"
ومع ذلك أيضا عنده موهبة وذكاء خارق في سرعةالإستيعاب، وقوة البديهة ،
وهو إحياء للعلم ، كل حياته أوقفها – أعني موقوفة – للدراسة والتدريس
والبحث والكتابه .
أعتقد أن الأعمال التي قام بها وهي كثيرة ، خارجة عن المسائل التي اشترك
معي فيها أعمال بالنسبة للثقافة الموريتانية ، أعمال ذات قيمة كبيرة جدا
، أذكر منها على سبيل المثال : تحقيق لضالة الأديب –لابن انبوجه ، وهذا
الكتاب كان اكتشافا في رحلة قام بها في مالى ، وأبْرَز هذا الكتاب في حلة
جميلة ، ووفقا لمنهج رصين أضاف إفادات كثيرة .
في السنة أيضا التي بقي فيها بمعهد " تمبكتو" قام بأعمال عظيمة جدا وهي
تصنيف …….. وإخراج معيار للفتاوى في تلك المنطقة ، وقد أراني مجلدين أو
ثلاثة من هذا العمل – عمل حقيقة كبير جدا ومفيد جدا-
أعتقد أيضا أن كتابه في الشعر الشنقيطي ، يركز على النظريات الأدبية
والنقدية لهذه الفترة ، التي كانت هي الذهبية بالنسبة للشعر الموريتاني ،
وأن كتابه في هذا الموضوع من أهم المراجع الموجودة في هذا المجال .
بالنسبة للحياة التي عاشها ، والتي كانت بقدر الله قصيرة ، ولكنها ايضا
كانت مثمرة إثمارا كبيرا ، له تأثيره ، ونحن الآن بصدد إنشاء مؤسسة تحمل
اسمه ، ومن خلالها نحاول تقديم بعض هذه الآثار التى تركها ، وايضا إبقاء
اسمه وعبقريته كما قلت ، مثالا للشباب الموريتاني في خدمة العلم ، وفي
الجدية في البحث ، وفي التضحية لمساعدة الآخرين .
( وعن تعريف العبقرية ) يقول د.محمد المختار ولد اباه
العبقري : هو المبدع الذي يستطيع أن يرقى بإبداعه إلى مستوى غير مألوف ،
العبقري : وصف ينبغي أن يطلق على من تميز بصفات نادرة ، وذات أثر تاريخي
مؤثر على الوقائع في الميدان ،الذي تتجلى فيه عبقرية الشخص مثلا.
نقول إن "الخليل بن أحمد " عالم عبقري ، لأنه استطاع أن يتميز بانشاء علم
جديد ، هذا نوع من العبقرية .
نقول إن الشاعر " المتنبي " شاعر عبقري ، لأنه لا يوجد لفنه العام ولشعره
نظير في عصره ، أو حتى في الشعر العربي .
أقول إن بعض العلماء سواء كان في الفيزياء مثل "انشتاين" أو في علم الفلك
مثل " انيوتن" هؤلاء عباقرة لأنهم غيروا مجرى التاريخ في الميدان الذي
تناولوه .
ولاشك أن صفات العبقرية يمكن أن تطلق على مجموعة من علماء موريتانيا،
وشعراء موريتانيا بالخصوص .
إذا كانت القوة للعمل الفني أو العلمي أتت ثمارها في فترة قصيرة ، لأنه
عادة "الإنسان" يمكن أن يعطي إنتاجا كبيرا جدا ، لكن قيمة هذا الإنتاج
-إنتاج فكر الإنسان – تكون أكثر حينما تتناسب مع فترة زمنية معينة ،
وكلما صارت الفترة قصيرة ، كلما كان الإنتاج عبقريا .
أعتقد أنه دائما هناك فرق فيما بين تحصيل عمل على سنوات ، وتحصيله في
فترة ، لأنه يمكن للإنسان أن ينطلق من نقطة معينة ، إلى هدف يريد أن
يبلغه ، إذا بلغ هذا الهدف في سرعة عادية ، نقول إنه جاد في عمله ، وإنه
ناجح في عمله ، إذا بلغه في فترة لا يمكن لغيره أن يبلغها فيه ، نقول هذا
عبقري .
( وعن الشخصية التى أثرت فيه ) يضيف د.محمد المختار ولد اباه
أنا أعتقد أن الشيخ الذي أثر فيه تأثيرا قويا ، هو البراء بن الأمين بن
سيدي ، وإذا لم تخني الذاكرة أعتقد أن أول قصيدة قالها "جمال "قالها في
رثاء البراء وهي قصيدة يذكر فيها وفاته ، ويسميه بالأستاذ .
وأنا عرفته وهو تقريبا عنده عشر سنوات ، في ذلك الوقت كان في التعليم
الابتدائي ، وطبعا كانت مخاييل الذكاء عليه ، وهذا أيضا غير غريب لأن
والده من أذكى الرجال "محمد عبد الله ولد الحسن "وينتمي لعائلة معروفة
أنا تحدثت في قصيدة في رثاء والده أشرت فيها إلى هذه الأسرة .
حقيقة لما وصل "جمال" إلى عشر سنوات لاشك أنه كان عنده من العلم -علم
الكهول ،علم الشيوخ – في دراسته أساسا كان حقيقة غريبا .
تحدثت لكم عن قوة استعابه أنها خارقة .
وكان يجيد اللغة الفرنسية وكان أيضا يقرأ اللغة الإنجليزية ويفهمها .
أعتقد أنه أيضا من الذين جمعوا بين قوة الذكاء وقوة الحافظة وعادة قل أن يجتمعا.
شهادة : القاضي محمد المختار – الفقيه
جمال ولد الحسن : هكذا يرحل العظماء !
كلنا لها! حق علينا أن نموت! وحق على من بقي منا منتظرا أن يدفع ضريبة
الإنتظار! . الصبر والاحتساب! لكن الفجيعة في احدنا لا توزن –فحسب- بحجم
الفجأة والبغتة بقدر ما توزن بحجم الضرر الذي يخلفه غياب المرتحل ، بحجم
عطاء المرتحل ، بحجم شموخه ، بقدر نبله وبقدر وفائه لعلمه ولنفسه
،ولوطنه!! .
وفجيعتنا في جمال تختصر كل ذلك ، فالضرر أو الخسارة الوطنية أكثر من أن
تقدر ! لقد كان الفقيد شعلة متقدة ، أضاءت حيثما وضعت ، وزهرة أبهجت
حيثما ازدرعت ، ومنارة تقاصرت دونها كل الرقاب ! .
معرفتي الشخصية بجمال –رغم المعاصرة – سبقتها معرفتي لنبوغه وعبقريته ،
بل تفرده! لا زالت تتردد في مسامعي إلى اليوم ، رغم مرور السنين ، مقاطع
من قصيدة له يناجي فيها عاصمة العباسيين ويرثي شاعرهم العظيم : المتنبي ،
بل أعظم من المتنبي ؟ .
زرت جمال في منزله بالرباط سنة 1990م ، وكنت ألتقيه بعد ذلك عفوا دون
ترتيب في مناسبات مختلفة ، وكنت أتتبع أخباره وهو ينتقل من صقع إلى صقع
كالنحلة ، يأكل ويطعم من ثمرات العلم الذي ملك ناصيته ، وأعطي زمامه!
ويوم أن نقل إلي أحد الزملاء خبر استقراره في دولة الإمارات العربية
المتحدة ، قلت في نفسي : ها قد وجد صاحبنا أخيرا ضالته ، بل ها هي
الإمارات قد وجدت ضالتها ، بل ها هي شنقيط قد أحيت خطا علمائها ،
وأمجادها الغابرة .
وللأسف فإن فرحتنا جميعا لم تكتمل …لم تزد على شهور محسوبة ! فها نحن
نودع جمالا والحسرة تملأ منا الأفئدة ،! فهل يكفي أن أبلل هذه الصفحة
بدموعي على رحيلك ياجمال ؟ هل يكفي أن ندبج فيك المقالات والمراثي ؟
ليس ذلك بكاف وإن وجب ، فلا بد أن يخلد الوطن اسمك وأن يبرهن من خلال ذلك
على سنة حميدة تكرم العلماء وتبقيهم أحياء ، يرزق الباقون من علمهم تماما
، كما هم أحياء عند ربهم يرزقون! .
فهل نعطي اسم جمال لجامعتنا؟ أم هل ننشأ جامعة خاصة نسميها باسمه ونزيد
بذلك مما نعطيه من قيمة للعلم وحملة العلم ؟ .
ذلك أدنى مما نتوق إليه …بل ذلك أدنى ما يستحقه !
وإنا لله وإنا إليه راجعون .



ضع تعليقك

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق