إما أن تؤمن بالحرية، وتدعو الى التغيير، وترفض القمع والاستبداد، وإما أن تنحاز - بدون مواربة - لمنطق الفساد والاستعباد وتلعن "الشعوب" التي خرجت للمطالبة بحقوقها وتعلن ان "الانظمة" كلها على حق، وان الناس الذين انتفضوا عليها "رعاع" يستحقون القتل والعقاب.
لا احد يجبرك ان تكون "مثقفا" بوجهين: وجه "للنضال" وآخر لمساومة المصالح، وجه تحكمه "الجغرافيا" الثورية المغشوشة لأنظمة لم تعرف من "الثورة" سوى قتل شعوبها ووجه آخر تحكمه "الثقافة" السائدة التي تسللت منها الى خنادق "النضال.
لا يجوز ايضا ان تقاتل على جبهة "التغيير" هنا وان "تولي" ظهرك حين تشتعل النيران في جبهة "التغيير" هناك، المسألة ليست انتقائية حتى "تختار" بين استبداد واستبداد، فترفض الاول وتقتل الثاني او بين شعب يطالب بالحرية "فيضرب" وآخر يطالب بالكرامة فيقتل، فتنتصر للاول وتلعن الآخر.
اسوأ ما يمكن ان تفعله -ايها المثقف المناضل- ان تكون انتهازيا، او ان تُجيّر وعيك "لحسابات سياسية" تكيل بمكيالين، او ان تتجرد من "قيمك" ومبادئك لمصلحة "تجارب" فاسدة انتصب فيها القاتل وعلى وجهه "قناع" التصدي، لكن ضد من؟ المحتل ام اشعب؟ كرامة الارض التي استباحها "الغزاة" ام كرامة "الناس" التي داستها "ميليشيات" السلطة؟
في عصر التحولات تسقط الاقنعة، وتتكشف الحقائق وتستوي "المرايا" وتتوحد مساطرها، من كان يدعونا بالامس للاحتشاد في "معركة" التحرير: تحرير الارض والانسان، يدعونا اليوم الى "مباركة" القمع والصمت على "دم" الشعوب التي تطالب بالحرية، فكيف يمكن ان نصدقه؟ وهل يستطيع ان "يخدعنا" مرتين؟ ومن ان يتوعد "الانظمة" القمعية بوابل "البيانات" الثورية يتحول "اليوم" ليقنعنا بان "الانظمة ليست سواء" وان موازين القمع ليست "واحدة" وان لا صوت يعلو على صوت "الممانعة" حتى لو "قُتل" الناس كلهم تحت عباءتها.. فكيف نصدقه؟ وكيف نثق "بوعيه"؟ هذا الذي "تقاعد" او أُحيل مؤقتا على الاستيداع.
شكرا لهذه الثورات العربية التي ازاحت الاقنعة عن وجه "السياسي" وحليفه "الثقافي" وكشفت –بما يكفي- "زيف" المناضل المغشوش.. شكرا لها اذ تعيد "فرز" الضمائر: فهذه بوصلتها موزعة الاتجاهات، غريبة الاطوار، مرهقة جراء البحث عن "الاضواء" والشهرة وبيع المواقف، وتلك هويتها واضحة، وانحيازاتها معلنة، واتجاهاتها نحو حرية الناس وكرامتهم لا تساوم عليها مهما كان الثمن.
لم تُسقط الثورات التي اجتاحت عالمنا "وهم" الزعامة السياسية فقط ولا شرعية الحكومات التي استهترت بالناس، ولا "الضمائر" التي ماتت على كراسي السلطة، وانما اسقطت قبل ذلك "اوهام" الثقافة الفاسدة و"منابر" الوعي المغشوش، "وضمائر" المثقفين الذي خدعوا جماهيرهم وأضلوهم، اسقطت "انتهازية" اصحاب الصوت العالي ومدبجي البيانات الرنانة، و"كذبة" النخب التي تقود الجماهير الى الحرية.
ارجوك، لا تسأل عن اسماء هؤلاء المثقفين والمناضلين الذين سقطوا في امتحان "الحرية" يكفي ان تلتفت حولك لتعرف من بقي منهم ثابتا على موقفه ومن "ادار" ظهره للشعوب حين قايض مصالحه بدمائها.. وحدهُ مَن يدلك على الطريق لمعرفة من هو.. دون ان يهتز له طرف او "تصدمه" وخزة من ضمير!.
*نقلا عن "الدستور" الأردنية
ضع تعليقك
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق