موقع المرام الثقافي elmaram.blogspot.com

موقــــــع المرام الثقــــــــــافي elmaram.blogspot.com

الأحد، 7 أغسطس 2011

منتدى الشعب من أبعاد الحقيقة بقلم: بابا الغوث

منتدى الشعب
من أبعاد الحقيقة
نواكشوط  ،  12/07/2011  -  بقلم: بابا الغوث
كلما تقدمت الحياة بالإنسان كلما اتسعت مساحة البعد بينه وحقائق الوجود الذي يعيش فيه... واتسعت مساحة البعد بينه وحقيقة ذاته... واتسعت مسافة الأبعاد في ذهنه.. المسافة بين الحق والباطل.. وبين العلم والجهل وبين الشر والخير وبين الصدق والكذب.. وبين العدل والجور.. وبين السلم والحرب، وبين السعادة والشقاء: جهل الانسان ذلك لأنه اعتمد على نفسه في الاستنارة إذ اعتد بعقله كامل الاعتداد حتى اعتقد أنه يستطيع بهذا العقل الذي وهب له أن يعرف كل شيء فلما اعتمد على عقله جهل كل شيء وجهله من حيث اعتقد أن في وسعه معرفة ما يريد وما هو في حاجة إلى معرفته، وهاله أمر ذاته فطفق ينظر ويخمن ويستقري في جهود مضنية من أجل أن يعرف من هو الإنسان ليرد بذلك على سلسلة من الأسئلة التي ظلت تنهال عليه دونما مشقة: من هو الإنسان.. ومن أين جاء ولماذا جاء، وإلى متى ومن هم أترابه؟... وانسابت الأجوبة أو محاولة الأجوبة على ألسنة وأقلام الفيزيائيين والكيميائيين والانتروبولوجيين، والفيزيكيماويين.. الخ، فزعم بعضهم أن الإنسان ليس سوى حزمة من الأفعال غير الإرادية وأنه على طول حياته يظل أسير نفسه العدوانية الغريزية الأنانية المفترسة..
على هذه الأجوبة التي لا تدعمها قرينة ولا يعضدها دليل اعتمد عدد غير قليل من الطبيعيين والسياسيين في المناسبات التي تشتد فيها الأزمات بسبب الحروب والمجاعات والاستعمار والتسلط والقهر ليبرروا ما يحدث على أنه شيء طبيعي لأنها طبيعة الإنسان التي جبل عليها والأصيلة فيه فهو لا يمكنه التخلص منها بحال من الأحوال.. وبهذه الأجوبة برر هؤلاء الشرور التي يمارسها الإنسان ضد بني جنسه معتبرين إياها أمورا طبيعية ضاربة بواكيرها في حيثيات الإنسان، هذه القدرية باتت فلسفة متجذرة في العقل البشري المعتمد على ذاته في معرفة الوجود.
هذه القدرية تلاشت شحنة الشر البغيضة واختفى مدلولها المعرفي من الاذهان.. وصاح في أفق الوعي صائح ليقول نعم: هذا الذي يحدث يمكن تسميته بالشر ولكنه شر طبيعي والإنسان ليس مسؤولا عنه.. ثم هو شر جزئي يصيب أناسا بينما يجني منه آخرون خيرا، إذا هو ليس شرا مطلقا وهو طبيعة الحياة ومن أين للإنسان المهرب من الغرائز الطبيعية. إن الجانب الوراثي في نظر هؤلاء هو المسؤول عن هذه الأشياء التي يطيب للناس تسميتها بالشر. إذا كل شيء مردود إلى الأصل الوراثي.. الخير والشر والذكاء والغباء والتقدم والتخلف.. وهكذا تصبح القواعد الأخلاقية رزمة من الأوهام والأفكار المجردة عن الواقع ليس لها أساس تستند عليه.. وهكذا يصبح الأمل في السلم والعدل والانصاف ضرب من الأماني الحالمة.
إن التفكير في عالم أفضل على الأرض بالنسبة لهؤلاء فطلب لا سبيل إلى تحقيقه في واقع الأمر، وهو أشبه ما يكون بالأمل في أن تغير الحيوانات المفترسة سلوكها. الإنسان حيوان غريزي لا سبيل إلى تغيير طبيعته كحيوان مفترس.
هذه الفلسفة جردت الإنسان من البعد الخلقي ومن كل المفاهيم القيمية.. فهو فهد وأسد ودب وثعبان لا يطمع صدور الخير منه.. وماذا يرجى من مجرد فرد عار من الشعر لا أكثر ولا أقل؟! رد جون لويس على هؤلاء بقوله إن الإنسان كائن متفرد بيولوجيا وعقليا وسلوكيا.. وليس هو في حياته الذاتية مجرد حياة يختتم ببقاء الأقوى كما تزعم الداروينية الاجتماعية.. وينفي جون لويس أن تكون الجينات المتباينة أو الموروثات سببا في قيام الحضارات أو موتها... ينفي أن يكون هذا التباين مسؤولا عن التخلف الذي يعانيه العرب اليوم، كما ينفي أن تكون الجينات سببا في تفوق العرب العلمي أيام كانت أوروبا غارقة في الظلام الدامس..
إن الذين جنحوا إلى الاعتقاد بوحشية الإنسان واعتقدوا بأنها موروث جيني، اتجهوا في وجهتهم تلك وهم تحت تأثير المظاهر التي رأوها جارية بين البشر على مسار التاريخ... لقد رأوا الأقوياء ييسيطرون على الضعفاء ويستعبدونهم ويسخرونهم لمصالحهم.. ورأوا الدول القوية تجتاح الدول الضعيفة وتستولي على ممتلكاتها رأوا القوة تبسط نفوذها وتسحق دونما رحمة كل من يقف في طريقها..
ظواهر التسلط هذه والتي اتسمت في كل أطوارها بالشدة والوحشية والعنف الشديد اعتمد عليها هؤلاء لتبرير شطحاتهم التي جاءت نغما شاذا عن الايقاع المنطقي للادراك العلمي. هؤلاء لم يروا الإنسان في مجالات أخرى كان فيها أبعد ما يكون عن الوحشية والشر بل كان عطوفا رحيما مشفقا وكريما.. لو نظروا إليه وهو يمد كلتا يديه بالخير والحنان إلى أناس كثيرين طوقتهم إنسانية الإنسان وأنقذتهم من مخالب البلاء.. من الجوع ومن المرض ومن الخوف ومن أيدي المجرمين الخارجين عن المنهج الإنساني، وإذا كان الإنسان حيوانا مفترسا ذو طبيعة شريرة لا يملك أن ينصرف عنها فلماذا أرسل الله إليه الرسل وأنزل عليهم الكتب ليتعلموا أوامر الله فيتبعونها.. ونواهيه فيجتنبونها، ولماذا تسن الدول القوانين وتلزم الشعوب بنصوصها وتطبقها عليهم فتعاقبهم على ما يرتكبونه من مخالفات وجنح وجرائم..
أو جهل الناس جميعهم كون الإنسان حيوان مفترس وعلمه هؤلاء؟!
إن الإنسان في حاجة إلى أن يتعلم العلم ليكون على ضوئه وبمساعدته رأيا صحيحا عن الأشياء التي يتم اطلاعه عليها.. فهؤلاء لم يتعلموا العلم الحقيقي... لو قرأوا النصوص التي أنزلها الله على رسله وأمرهم بتعليمها للناس لما انزلقت أقدامهم في ذلك المخدر المخيف..
إن حقائق الوجود لا يعلمها على حقيقتها سوى خالق الوجود وفاطره من العدم، وما تهم الإنسان معرفته من أخبار أي ما يحتاج الإسان إلى معرفته من ذلك علمه الله لآدم والأنبياء والرسل من بعده من لدن نوح إلى محمد صلى الله عليه وسلم فمن يريد أن يعرفه فليقتفي آثار الرسل ليتعلم من ذلك ما تهمه معرفته.. هناك يجد الأجوبة الشافية على أسئلته التي يبدو أنها تقلق باله ولن يجد الأجوبة خارج منهاج العلم المنزل من لدن الحكيم العليم. ولكنه قد يتابع تيهه ويفتري ما شاء من الافتراء ثم لا يجني من ذلك غير ما يجنيه المفتري. ويكون قد استنفد عمره وهو يخبط في فراغ... ولا يغني عنه أن ضل به أناس كثيرون استولى عليهم الجهل هم أيضا فتلمسوا الطريق إلى الحقيقة.. وأين هم من الحقيقة وقد طوح بهم الوهم في أبعاد لا توجد بها حقيقة.. نقلا عن موقع الوكالة الموريتانية للأنباء


تاريخ الإضافة: 12/07/2011 09:29:04


ضع تعليقك

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق